والتشويه لسمعته، شأنهم في ذلك شأن أسلافهم من المشركين واليهود والنصارى، ويعللوا تكذيبهم ذلك بالتعليلات التي علل بها أسلافهم، حتى يظهروا أمام الناس أنهم إنما ردوا دعوته للعلة التي يدعون، إلا أنهم لم يستطيعوا أن يتفقوا على رأي فيه، سوى أنهم غير قابلين لدعوته، فادعوا لذلك دعاوى عديدة، منهادعواهم أنه تعلم القرآن من اليهود والنصارى، ومنهم من قال من عند نفسه، وقوة نفسية، ومنهم من قال: كهانة، وسجع كسجع الكهان.
وهذه هي الدعاوى التي قالها من قبلهم مشركو مكة، الذين انطلقوا من نفس المنطلق. فقدكانوا من أشد الناس عداوة للنبي صلي الله عليه وسلم ودعوته وأصحابه، ولم يتركوا وسيلة يمكنهم بها القضاء على النبي صلي الله عليه وسلم، أو القضاء على دعوته إلا سلكوها.
فقد حاولوا قتله، وقتلوا من أصحابه، واضطهدوهم وعذبوهم وحاصروهم، وهم في أثناء ذلك لم يتركوا وسيلة لتشويه سمعته، وإلصاق التهم به، والتشويش عليه في دعوته، وتحذير الناس منه، والصد عن دينه إلا سلكوها، ولا مدخلاً إلى ذلك إلا دخلوه وحاولوه، ولولا أن الله ناصر دينه، وحافظ نبيه، لما قام لهذا الدين قائمة، ولا بلّغ عنه مبلغ.
وكان من مسالكهم في الطعن في نبي الله ودين الله، تكذيبه وادعاء أنه افترى هذا القرآن، فمرة نسبوه إليه، وأنه افتراه من عند نفسه، ونسبه إلى الله تعالى زوراً وبهتاناً. قال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ﴾ [هود: ٣٥].
قال القرطبي في معناه:" يعنون- أي أهل الكفر- النبي صلي الله عليه وسلم - أي اختلق القرآن من عند نفسه"."١"