أهاويل رؤيا رآها في النوم، وقال بعضهم: هو فرية واختلاق افتراه واختلقه من قبل نفسه، وقال بعضهم: بل محمد شاعر، وهذا الذي جاءكم شعر"."١"
فأولئك المشركون كان لهم هم واحد، وهو تكذيب الرسول صلي الله عليه وسلم، وإبطال قوله أنه رسول الله، وأن الله يوحي إليه، فمرة يزعمون أنه اختلق القرآن والوحي من عند نفسه، مع أنهم يعلمون بطلان دعواهم في أنه عليه الصلاة والسلام لم يؤثر عنه كذب، ولا جربوا عليه ذلك من قبل، فكيف يترك الكذب على الناس ويكذب على الله؟ "٢" وهذا لا يقوله عاقل، وكيف يترك الكذب في شبابه وصغره أيام اللهو والانطلاق، ويكذب لما صار كهلاً "٣" بلغ التمام وأقبل على الختام، وبدأت الدنيا تعصره ويعصرها، وتستدبره ويستدبرها.
وكيف يكون قوله شعراً، وهو لم يقرض الشعر ولا يحسنه، ولم يؤثر عنه من قبل أنه قال شعراً أو قرضه، وقد قال تعالى: ﴿وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ، لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ [يس: ٦٩-٧٠].
روى مسلم بسنده عن أنيس الغفاري أنه قال لأبي ذر عن النبي صلي الله عليه وسلم: "لقيت رجلاً بمكة على دينك "٤"يزعم أن الله أرسله، قلت - أي أبو ذر-، فما يقول الناس؟ قال: يقولون: شاعر، كاهن، ساحر، وكان أنيس أحد الشعراء.
"٢" انظر كلام هرقل مع أبي سفيان في ذلك: خ. بدء الوحي رقم"٣"، انظره مع الفتح "١/٤٢"، وم. الجهاد والسير، رقم"١٧٧٣"، "٣/١٣٩٣".
"٣" الكهل: من جاوز الثلاثين إلى الخمسين. انظر: المعجم الوسيط ص٨٠٣.
"٤" يقصد التوحيد وعبادة الله تعالى، لأن أبا ذر رضي الله عنه كان يصلي لله قبل مبعث النبي عليه الصلاة والسلام بثلاث سنين، وفي رواية بسنتين.