قال أنيس: لقد سمعت قول الكهنة، فما هو بقولهم، ولقد وضعت قوله على أقراء "١"الشعر فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنه شعر، والله إنه لصادق، وإنهم لكاذبون "."٢"
وفي رواية أنه قال: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر"."٣"
وقال المشركون فيه: إن ما يدعيه ويقوله ما هي إلا أضغاث أحلام، أي أمور وأهاويل تأتيه في منامه في الليل فيأتي يرويها لنا في النهار. وهم يعلمون أن النائم لا يمكن أن يأتي بمثل ذلك القيل، بل إن الله تحداهم، وهم مستيقظون، وهم أهل الفصاحة والبيان، أن يأتوا بسورة من مثله، وليستعينوا بمن شاءوا في ذلك في قوله تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [يونس: ٣٨].
وقال تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لا يُؤْمِنُونَ، فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ﴾ [الطور: ٣٣-٣٤]. لكن أنى لهم أن يأتوا بمثله، وهو كلام الله الذي ألجم الفصحاء، وبهر البلغاء، وأعجز الأعداء أن يأتوا بمثله، أو يحاكوه أو يحاولوه عجزاً وعياً، وإنما قال قائلهم مبهوراً مبهوتاً مكموداً، لما سئل عن القرآن: فما أقول فيه، فوالله ما منكم رجل أعلم بالأشعار مني، ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، والله إن لقوله الذي يقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى "."٤"
وفي رواية عنه أنه قال:" والله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون، وإن قوله لمن كلام الله "."٥"

"١" أقراء الشعر، قال النووي: أي طرقه وأنواعه. انظر شرحه على مسلم "٥/٢٤٦".
"٢" أخرجه. م في فضائل الصحابة، رقم "٦٣٠٩".
"٣" أخرج هذه الرواية: خ في المناقب، باب قصة زمزم، رقم "٣٥٢٢".
"٤" أخرجه ابن جرير في تفسيره "٢٩/١٥٦" عن عكرمة من قول الوليد بن المغيرة.
"٥" المصدر السابق عن ابن عباس رضي الله عنه.


الصفحة التالية
Icon