المطلب الأول
في نفي إمكانية أن يكون النبي صلي الله عليه وسلم أتى بالقرآن من عنده لقد أنزل الله تعالى القرآن على نبيه ورسوله محمد صلي الله عليه وسلم قال تعالى: ﴿وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ، عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ، بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: ١٩٢-١٩٥].
فأعلن في الناس أن هذا كلام الله وليس كلامه، وليس له منه إلا التبليغ.
والأدلة على أن القرآن لا يمكن أن يكون كلام النبي صلي الله عليه وسلم كثيرة جداً، نشير إلى بعضها:
أولاً: أن الرسول صلي الله عليه وسلم صادق أمين، وصفه بذلك أعداؤه، كما روى البخاري في قصة أبي سفيان مع هرقل، فقال هرقل لأبي سفيان: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت: لا، ثم قال هرقل مبينا مراده من السؤال: وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال، فذكرت أن لا، فقد اعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله "."١"
وقد أكد صلي الله عليه وسلم في مرات كثيرة ومواقف عديدة أن القرآن الكريم كلام الله، وأنه يوحى إليه ما يقول، وهذا موجب لتصديقه من وجهين:
الوجه الأول: أنه صادق، وقد عرف عنه ذلك واشتهر.
والثاني: أن في نسبة القرآن إليه إبراز لمواهب نفسه، وإحراز للمقام الأعلى في قوة الفصاحة والبيان والعلم، ونحو ذلك، وخاصة أن القوم كانوا يتباهون في قوة التعبير، والفصاحة والبيان، ويعدونه من أعظم مفاخرهم، ومع ذلك تنصل منه، وقال: إنه كلام الله تعالى، وليس كلامه، ولم تختلف عنه هذه الدعوى في وقت من الأوقات، لا في أول بعثته ولا في آخرها.

"١" خ. بدء الوحي، رقم"٣" انظره مع الفتح "١/٣٢".


الصفحة التالية
Icon