ثانياً: أن القرآن الكريم لم يكن متيسراً للنبي صلي الله عليه وسلم في كل حال، بل هو تنزيل من حكيم حميد، ينزل به الروح الأمين حسب مشيئة الله تعالى بذلك، ولو كان من عنده لفاضت به نفسه، وجاشت به قريحته في الوقت الذي يشاء، خاصة في الأوقات العصيبة، التي مر بها عليه الصلاة والسلام. من ذلك:
أ- اشتراط المشركين للإيمان أن يبدل القرآن أو يغيره، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ، قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ﴾ [يونس: ١٥-١٦].
فمشركوا مكة طلبوا منه أن يبدل القرآن أويغيره، وكان عليه الصلاة والسلام شديد الحرص على هدايتهم حتى بلغ به الأمر ما ذكره الله تعالى بقوله: ﴿لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ﴾ [الشعراء: ٣].
أي لعلك مهلك نفسك مما تحرص وتحزن لعدم إيمان من لم يؤمن من الكفار."١"
فمع هذا الحرص، والرغبة في إيمان القوم، لو كان بإمكانه تبديل القرآن أو تغييره لفعل ذلك يقيناً لشدة حرصه على هدايتهم، إلا أنه أعلن بصراحة ووضوح أن ذلك ليس إليه، لأن القرآن ليس من عنده، بل صرح أنه يخاف من عذاب الله تعالى فيما لو عصاه ويدخل في ذلك أدنى محاولة للتغيير والتبديل، كما قال تعالى: ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ، لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ، ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ، فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ﴾ الحاقة [٤٤-٤٧].
ب- قصة حادثة الإفك. وهي من من أصعب الأحداث وأشدها على النبي صلي الله عليه وسلم، وهو أن المنافقين طعنوا في أحب نسائه إليه عائشة رضي الله عنها، وعرضوا بها