فهذه الحادثة بتداعياتها الخطيرة، وآثارها الشديدة على النفس، وقد وقعت لأحب الناس إليه، تأخر فيها الوحي كل هذه المدة، تاركاً رسول الله صلي الله عليه وسلم في حيرة من حقيقة ما يقال، وما كان رسول الله ليشك في زوجه لولا كثرة كلام الناس، وتداول المنافقين لذلك الكلام وإشاعته، مما يدل على خطورة الإشاعات وقوة تأثيرها، فلو كان القرآن من عند رسول اللهصلي الله عليه وسلم لبادر لتلاوة آيات منه تبريء عائشة رضي الله عنها، وتخرس الألسن قبل أن يشيع ذكر الكلام الفاحش. ولكنها المشيئة الإلهية، والتربية الربانية، أراد الله أن يؤخر الوحي، حتى يعطي المسلمين درساً أنه لا أحد فوق الامتحان، وأن الشائعات أمرها خطير، وقد تقلب الموازين، وأن الحديث في مثل هذه الدعاوى يجب أن لا يكون بحال إلا بالشهود المعاينين للحادثة، إلى غير ذلك من الدروس.
والدرس الذي يهمنا، هو أن القرآن ليس من عند النبي صلي الله عليه وسلم، ولو كان من عنده لوفر على نفسه ذلك العناء، وأنهى ذلك الإشكال في مهده، كغيره من الإشكالات، التي ينزل في شأنها قرآناً مباشرة كحكم الله في المستهزئين "١"، والواهبة نفسها "٢"، وقصة التحريم "٣"، وغير ذلك.
ومن المعلوم أن إشاعات كهذه إذا خرجت وانتشرت، فليس من اليسير قطعها وإسكاتها، فالحل الأمثل لها أن تدفن في مهدها قبل انتشارها وشيوعها، إلا أن شيئاً من ذلك لم يحدث، وإنما استمر القيل والقال مدة شهر كامل، والله أعلم بما عانى رسول الله صلي الله عليه وسلم، وهو شديد الغيرة، عظيم الرحمة، والله أعلم بما عانى زوجه وأهلها، وجميع المسلمين.
"٢" الأحزاب "٥٠".
"٣" التحريم "١-٥".