والفرق شاسع والبون واسع بين عبارة الشك، التي خاطب الرسول صلي الله عليه وسلم بها عائشة رضي الله عنها قبيل وقت قصيرمن نزول آيات البراءة، حين قال لها: "ياعائشة إن كنت بريئة فسيبرؤك الله، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله…".
فهي عبارة على ما فيها من الثقة بالله، فيها شك في حقيقة الأمر، فرق بين هذه والعبارة التي جاءت بعدها منسوبة إلى الله تعالى العليم الحكيم: ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْأِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ …﴾ الآيات.
فوصم الحادثة بالإفك، وأعلن في أول كلمة فيها كذب الدعوى، وبراءة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، وأعطى دروساً مهمة في الموضزع.
فلا يقول أحد باتحاد المصدر في الموقفين والجملتين إلا جاهل أو كاذب معاند.
وفي كل هذا دليل ناصع واضح، على أن القرآن لا يمكن أن يكون من عند النبي صلي الله عليه وسلم بحال من الأحوال. وصدق الله تعالى: ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾.
ثالثاً: أن الله تعالى عاتب النبي صلي الله عليه وسلم في مواطن كثيرة من كتابه، منها:
أ- عتابه على أخذ الفداء في أسرى بدر، وذلك في قوله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ الأنفال: ٦٧-٦٨].
فعاتب الله نبيه على فعله بأخذ الفداء من الأسرى، ويدخل في ذلك سائر من رأى هذا الرأي، ومنهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد روى مسلم بسنده عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه أنه لما استشار الصحابة في الأسارى يوم بدر، فقال رسول الله لأبي بكر وعمر: ما ترون في هؤلاء الأسارى؟ فقال أبو بكر: يا نبي الله هم بنو العم والعشيرة، أرى أن تأخذ منهم فدية، فتكون لنا قوة على الكفار، فعسى