ب-عتابه في قصة الأعمى.
وذلك في قول الله تعالى: ﴿عَبَسَ وَتَوَلَّى، أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى، أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى، أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى، فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى، وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى، وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى، وَهُوَ يَخْشَى، فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى﴾ [عبس: ١-١٠].
فقد ذكر في التفسير أن النبي صلي الله عليه وسلم كان منشغلاً ببعض كبار قريش يدعوهم إلى الإسلام، وهو حريص على هدايتهم، وجاءه ابن أم مكتوم، وكان كفيفاً، وكان مسلماً يسأله عن آية أو مسألة، ويلح عليه، فكره رسول الله صلي الله عليه وسلم ذلك، وعبس في وجهه رجاء إسلام ذلك الرجل، أو أولئك الرجال، وهذا حال يشعر كل إنسان أن الأولى بالاهتمام هو ذلك الذي لم يسلم، وهو من عظماء القوم رجاء أن يسلم بإسلامه الناس، أو في إسلامه إنقاذ له من النار، أما المسلم فمسألته لا تفوت، وليس عليه خوف من النار، فكان موقف النبي صلي الله عليه وسلم هو الموقف الذي سيقفه أي إنسان في مثل ذلك الموقف، إلا أن الله العليم الخبير والكريم الرحيم عاتب نبيه صلي الله عليه وسلم على ذلك الموقف عتاباً شديداً، ونبهه إلى خطئه عليه الصلاة والسلام في عبوسه في وجه المسلم، ونبهه إلى حكم عظيمة ودقائق جليلة غفل عنها عليه الصلاة والسلام، فانتبه النبي صلي الله عليه وسلم لذلك، وخضع لأمر ربه، فكان يكرم ذلك الأعمى."١"
فهل عاقل يقول إن الذي عبس قبل قليل في وجه الأعمى، وكره مسألته، وحرص على إكمال الحديث مع أولئك الأكابر من قريش هو الذي عاتب نفسه بعدها بقليل، وأنبها، وأظهر خطأه فيما فعل؟ لا شك أن من قال ذلك فإنه لا يشعر بما يقول، ولا يفقه شيئاً مما يقول، وهذا حقيقة حال المكذبين.

"١" انظر: تفسير ابن جرير "٣٠/٥٠"، تفسير ابن كثير "٤/٤٢٦".


الصفحة التالية
Icon