ج- قصة زينب بنت جحش رضي الله عنها.
من المعلوم أن زينب رضي الله عنها كانت زوجة لزيد بن حارثة، الذي كان تبناه النبي صلي الله عليه وسلم، إلى أن منع الله التبني في قوله ﴿أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ﴾ الأحزاب: ٤٥- ٤٦].
ثم إن زيداً رضي الله عنه لم تطب له عشرة زينب، فرغب في طلاقها، فشاور الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك، فأشار عليه الرسول صلي الله عليه وسلم بإمساكها، مع أن النبي صلي الله عليه وسلم كان يعلم أن زيداً سيطلقها، وأنها ستكون زوجة له، وكان هذا شديداً على نفس النبي صلي الله عليه وسلم، من حيث كان زيد يدعى ابناً له، فيقول الناس عنه إنه تزوج زوجة ابنه، فكان يخشى كلام الناس في ذلك "١"، إلا أن الله تعالى الذي أراد ما أراد لحكمة بالغة ورحمة عظيمة ألزمه أن يقول ذلك، وأنزل عليه في ذلك قرآناً يتلى إلى يوم القيامة في القضية ليعلمها القاصي والداني، فقال تعالى: ﴿وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً﴾ [الأحزاب: ٣٧].
فأعلن الله الأمر على الملأ، وتولى إنكاح زينب، وكافأ الله تعالى زينب على طاعتها لربها ورسوله بالموافقة على الزواج من زيد، وهو الذي كان مولى للرسول صلي الله عليه وسلم، وهي العربية القرشية، وأبطل الله ما كانوا يحرمونه من زواج مطلقة المتبني، وفي هذا إبطال للتبني وإلغاء له من جميع الوجوه.
رجحها وأخذ بمعناها ابن كثير في تفسيره "٣/٤٥٨"، ولا أرى أنه يصح غيرها، والله أعلم.