لهذا قال أنس رضي الله عنه، وكذلك عائشة رضي الله عنها: "لو كان رسول اللهصلي الله عليه وسلم كاتماً شيئاً لكتم هذه الآية ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾ "١"
فهل يمكن أن يقول قائل إن الرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي كشف هنا عما يعتمل في نفسه من المعاني والتخوفات، التي كان يتخوفها صلي الله عليه وسلم.
رابعاً: أن القرآن الكريم حوى علوماً وأخباراً لا يمكن للنبي صلي الله عليه وسلم أن يأتي بمثلها القرآن كلام الله تعالى المعجز، والذي تحدى الله به الإنس والجن. قال تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ [الإسراء: ٨٨].
فقد حوى القرآن دلائل صدقه، وصدق من جاء به، وتكفل الله بإظهار ذلك على مر الزمان وكر العصور والدهور. قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٤].
وهذه الرؤية هي من الله تعالى، بمعنى أن الشيء يكون أمام الإنسان، ولا تنفتح عينيه عليه، فمن تفضل الله عليه كرماً منه ولطفاً رأى ببصر وبصيرة، ومن لم يتكرم عليه رأى ببصر بدون بصيرة.
وبين الله تعالى لنا أن ذلك لأجل أن يتضح لهم ﴿أَنَّهُ الْحَقُّ﴾، أي القرآن في كلام أكثر المفسرين. "٢"

"١" أخرجه. خ. في التوحيد رقم"٧٤٢٠"، انظره مع الفتح"١٣/٤٠٣"، م. في الإيمان رقم"٢٨٨"،"١/١٦٠".
"٢" انظر: تفسير ابن كثير "٤/١٠٦"، روح المعاني للألوسي "٢٥/٦".


الصفحة التالية
Icon