ومن أراد الرجوع إلى الرد على هذا الكلام الذى أسماه ابن حزم بالهوس فليطالعه عند كلام ابن حزم على المعجزات.
وإيراد كلام الباقلاني هنا مقصود، لبيان جملة من الأقوال التي ضربت في معنى الإعجاز بسهم، لكن الباقلانِيَّ لم ينظر إلى المعجز بقدر نظره الناسَ منطلق بدوالعجز والقدرة، ويفهم من قوله، أن الناس على جبلتهم لا يوصفون بعجز ولا قدرة، فمن أودعت فيه قدرة كان قادرا، ومن أودع فيه العجزُ صار عاجزا. ولا تُعْلم القدرة إلا حيث يبرز العجْزُ فمن عجز عن أمر فإن هذا الأمر يكون مقدورا عليه من غيره حتما، لأنه لا يوصف العاجز إلا حيث لم يتحقق منه الأمر، والأمر حتما لا يُعْلم إلا حيث يقع مقدورا من الغير.
ويسوق ابن حزم (١) قولا للأشعري بأن المعجز الذي تحدى الناسَ بالمجيء بمثله هو الذي لم يزل مع الله تعالى ولم يفارقه قط ولا نزل إلينا ولا سمعناه.
ويقول ابن حزم في رده على ذلك: "وهذا كلام في غاية النقصان والبطلان، إذ من المحال أن يكلف أحد أن يجيء بمثل ما لم يعرفه قط ولا سمعه، وأيضا فيلزمه ولابد بل هو نفس قوله: إذا لم يكن المعجز إلا ذلك فالمسموع المتلو عندنا ليس معجزا، بل مقدور على مثله، وهذا كفر مجرد، لا خلاف فيه لأحد، فإنه خلاف للقرآن لأن الله تعالى ألزمهم بسورة أو عشر سور منه وذلك الكلام الذي هو عند الأشعري هو المعجز ليس له سور ولا كثير، بل هو واحد فقط، هذا القول والحمد لله رب العالمين".

(١) الفصل جـ٣، صـ١٥.


الصفحة التالية
Icon