ويذكر الأشعري في "مقالات الإسلاميين" قولا لهشام وعباد (١) هو أنهما قالا: لا نقول إن شيئا من الأعراض يدل على الله سبحانه، ولا نقول أيضا: إن عرضا يدل على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يجعلا القرآن علما للنبي صلى الله عليه وسلم، وزعما أن القرآن أعراض (٢).
ومن جميع ما سبق نخلص إلى نتيجة مفادها: أن الناظر إلى القرآن ككلام يحوي أعاجيب لا تنقضي، قال بالإعجاز القرآني، وبّيَّن وجوها منه على نَحْوِ مَا سيرد إن شاء الله، ومن نظر إلى كلام الله النفسي جعله هو المعجز، وهذا حق متى علم، وهو لم يطلع عليه أحد بعد ولم يكن منه تحد إلى أحد من الخلق لأن التحدي كان حينما سمع المعرضون القرآن وقالوا إن الرسول ﷺ قد افتراه، حينئذ قال لهم: فأتوا بعشر سور مثله مفتريات، وما تحداهم إلا بمثل ما سمعوا، ومن نظر إلى الناس فرأى فيهم ذا القدرة الفائقة على البيان وإجادة الكلام بنظم بليغ وقول مجيد ولم يجد منهم إقداما نحو الإتيان بمثله، بل من دفعه طيشه ونزقُه وأفنُ عقله إلى المعارضة، أتى بالسخيف مما لا يرقى إلى مستوى الإجادة المعتادة في كلام العرب، ومن رأى فيهم غلبة القرآن عليهم، قال بصرف الله لهم عن المماثلة والمحاكاة.

(١) هشام بن عمر والغوطي من المعتزلة ته٢٢٦هـ، وصاحبه عباد بن سليمان الضمري من الطبقة السابعة من المعتزلة ت سنة ٢٥٠هـ.
انظر الملل والنحل للشهرستاني ط مؤسسة ناصر للثقافة ببيروت ١٩٨١م صـ٣١.
(٢) مقالات الإسلاميين جـ١ صـ٢٩٦.


الصفحة التالية
Icon