ولم يكن رد الجاحظ على شيخه ردَّ المجادل، ولكنه كان بالعمل، فقد كان أول من كتب في إعجاز القرآن من الناحية البيانية ليكون الردُّ على الصرفة ببيان الإعجاز الذاتي (١).
وفى كتاب "المعتزلة" يقول مؤلفه زهدي حسن جاد الله "وقد رد الخياط على هذا القول الذي كان ابن الراوندي أول من نسبه إلى النظام وقال إن النظامَ كان يقر بإعجاز القرآن نظما وإخبارا (٢).
ومن كل ما سبق يمكن القول إن الصرفة لم تكن مذهبا يعتقده أحد من المسلمين مع شهرة وذيوع نسبتها إلى النظام الذي شهد له صاحب الانتصار بأنه كان يقر بإعجاز القرآن نظما وإخباراً، وما كان القول بالصرفة ونسبتها إلى أحد المسلمين ليكون لولا ضغائنُ الكائدين وأحقادهم للإسلام ولكتابه.
وهَبْنَا نجد في بطون الكتب ردودا على مثل هذا القول إلا أن هذه الردود وحدها لا تُثْبِت صحةَ نسبةِ الصرفة إلى قائلها، لأن دافعا كالغيرة على القرآن لا يترك مستجمعا لأدلة الاستيثاق من صحة صدور هذا القول عن صاحبه قبل المواجهة دون أن تبعثه على الرد بأقصى ما يمكن من السرعة على ما يمس الإسلام في أصل تشريعه وهو القرآن.
ولم يَخْلُ زمننا هذا مَعَ تباعُدِ ما بينه وبين عصر بزوغ فكرة الصرفة من أن ينبري مَنِ اطلع عليها بالرفض، والنقض لها، والرد عليها، ونقدها مما يسمح

(١) المعجزة الكبرى لأبي زهرة صـ٧٨.
(٢) المعتزلة لزهدي حق جاد الله صـ٢٩ - نقلاً عن الانتصار صـ٢٧، ٢٨ - منشورات النادي العربي في يافاط القاهرة ١٣٦٦ - ١٩٤٧م مطبعة مصر شركة مساهمة مصرية.


الصفحة التالية
Icon