وتمثلت عناية المسلمين بهذا المجال أولَ الأمر في صورة الدفاع عن القرآن حتى أصبح هذا علما أفضى إلى علم كالبلاغة، واستقر بقاء الثاني أمارة على الأول، فالبلاغة مفتاح كشف وجه الإعجاز، ووجوه الإعجاز أساس علم البلاغة.
والقرآن كنز يستفتحه كل عصر بأدواته ليأخذ منه ما تسنى له من جواهره ودرره، وهو كريم كلما استثير أعطى، قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "من أراد العلم فليثور القرآن فإنه فيه علم الأولين والآخرين" (١)، لذلك كان علينا أن نستزيد من العلم بالقرآن بكثرة مدارسته، فإنه لا يخلق على كثرة الرد، بل تَرْكُه دون إثارة فيه أفدح خسارة، فعن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال: "سَيَبْلَى القرآنُ في صدور أقوام كما يبلى الثوب، فيتهافت يقرءونه لا يجدون له شهوة ولا لذة، يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، أعمالهم طمع لا يخالطه خوف، إن قصروا قالوا سنبلغ، وإن أساءوا قالوا سيُغفر لنا إنا لا نشرك بالله شيئا" (٢).
وهو غير مُتَبَذَّل، وخفاؤه فى يسره، تمر به مرَّ الغافل فلا يزجي إليك منه شيئا، إذ هو لنزاهته أغفل منك عنك إن غفلت عنه، وإن أعطيته نفسك أعطاك رفده، وهو حَمَّال أوجه، وإلى هذه النكتة أشار أبو الدرداء رضي الله
(٢) أخرجه الدارمي في سننه رقم ٢٣١٢ كتاب فضائل القرآن باب تعاهد القرآن، نقلا عن الكتاب السابق الإشارة إليه. صـ ٧٩