بِمِثْلِهِ} وعاندوا واستهزأوا فقالوا سحر، وقالوا: شعر، وقالوا: أساطير الأولين، وما كل هذا إلا من التحير، شأن كل عجيب خارق للعادة. حتى قال الوليد بن المغيرة: حين قال له أبو جهل: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمداً لتعرض لما قِبَلَه - لما عنده من مال - قال الوليد: قد علمت قريش أنى أكثرهم مالا، قال: فقل قولا يبلغ قومك أنك كاره له، قال وماذا أقول؟ فوالله ما فيكم رجل أعلم بالشعر منى، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله الذي يقول لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: (أي أبو جهل) لن يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر. فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره (أي ينقله عن غيره) (١).
وعجز العرب ولم يتبين أحد وجه عجزهم، ولكنهم عجزوا، وراح كل أحد يضرب في آفاق الفهوم عله يلتقط تعليلا لهذا الإعجاز المحيط بالقرآن، ولو كان معجزة حسية لاستراحت النفوس بما تدركه بإحدى الحواس، ولكنه معجزة لا تشاهد بغير البصيرة، فما كان للأبصار فصورته واحدة في وقت واحد، وما كان للبصائر فإن تصوراته تنتظم منه صورا عديدة تكثر بكثرة المهتمين بوجوه الإعجاز، فكل وجه عند صاحبه مقبولٌ، لأنه ما قال إلا ما رأى، ولكن هل يؤخذ بقوله أو لا؟ هذا ما سيشار إليه قريبا إن شاء الله.
وكان لا بد من أساس أَوْجِهَةٍ ينظر من خلالها منفذاً تُرَى منه ملاحة وجوه الإعجاز، وخاض الناس في ذلك كثيرا. فبين مسيء ومحسن. على النحو التالي: -

(١) مستدرك الحاكم: التفسير - تفسير سورة المدثر ٢/٥٠٦.


الصفحة التالية
Icon