١- عجز البعض عن إدراك الإعجاز في القرآن الدال على الكلام القديم لله تعالى، فزعموا أن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات (١) والصواب ما قاله الجمهور: أنه وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ.
٢- ثم زعم النظام - كما قيل عنه - أن إعجازه بالصرفة، أي أن الله صرف العرب عن معارضته، وسلب عقولهم، وكان مقدوراً لهم، لكن عاقهم أمر خارجي، فصار كسائر المعجزات (٢).
قلت: أي كسائر المعجزات الحسية، بأن العرب منعوا مما اعتادوا وسنضرب صفحا عن مناقشة هذا القول إلى حينه. ولكن ما الأساس الذي بنى عليه هذا القول النظامي غير ما قيل من أنه اكتسبه من المقولة الهندية السابق ذكرها؟
يقول أبو بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني (ت-٤٧١هـ) في "رسالته الشافية في إعجاز القرآن" اعلم أن الذي يقع في الظن من حديث القول بالصرفة أن يكون الذي ابتدأ القول بها ابتدأه على توهم (أن التحدي كان إلى أن يُعَبِّرَ عن أنفس معاني القرآن بمثل لفظه ونظمه، دون أن يكون قد أُطْلِق لهم وخُيروا في المعاني كلِّها)، ذاك لأن في القول بها على غير هذا الوجه أمورا شنيعة، يبعد أن يرتكبها العاقل ويدخل فيها.
ذاك أنه يلزم عليه - أي على القول بالصرفة على غير الوجه الذي ذكره الجرجاني - أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان، وأنهم قد اعتراهم العجز وخذلتهم القُوى، فإنهم إن قيل بتحول شأنهم من القدرة إلى الضعف لم نُقِمْ عليهم حجة، بل استحال عليهم أن يعلموا أن لنظم القرآن

(١) الفصل جـ٣ صـ١٥، الإتقان جـ٢ صـ١٠٠٥.
(٢) الإتقان صـ١٠٠٥، بيان إعجاز القرآن صـ٢٢ ثلاث رسائل في إعجاز القرآن.


الصفحة التالية
Icon