فَضْلاً على كلامهم الذي يسمع منهم، وعلى النظم الظاهر الباقي لهم - ذاك أن عذر القائل بالصرفة أن كلامهم قبل أن تحدوا قد كان مثل نظم القرآن، وموازيا له وفى مبلغه من الفصاحة
وإذا كان الأمر كذلك وقد صرفوا فإنه لا يتصور أن يحاولوا، وإذ لم يحاولوا لم يحسوا بالعجز.
بل يلزم أن ينسحب حكم القائلين بنقص العرب في بلاغتهم وبيانهم على بلاغة النبي ﷺ وبيانه، وأن تكون النبوة قد أوجبت أن يُمْنَع شطرا من بيانه وإلا كان ﷺ قد تلا عليهم آية الإسراء (١) في حال هو يستطيع فيها أن يجيء بمثل القرآن الكريم. اللهم إلا أن يقولوا: إنه كان ﷺ في الأصل دونهم في الفصاحة وأن الفضل والمزية للعرب كانتا لبلغائهم دونه ولم يَشُك أحد بل تواترت الأخبار أنه ﷺ كان أفصح العرب (٢) ".
ثم قال الجرجاني بأنه على القول بالصرفة يكون مرجع إلا كبار والعجب إلى المنع الذي فيه الآية والبرهان لا إلى الممنوع منه وهو القرآن.
وحسب الجرجاني فضلا أن لا يقبل الصرفة وجها للإعجاز، ولكن كونه بنى أساسَ وقوع القول بالصرفة على ظن أفضى به إلى فرض لم يكن، فإن العرب علموا أن لنظم القرآن فضلاً على كلامهم الذي يسمع منهم، ومعلوم أنه قد حاول بعضهم، ولكن باء بالخيبة والخذلان، وظلت المحاولات في القرون التالية كما قيل عن ابن الراوندي وعبد الله ابن المقفع والمعري وغيرهم.

(١) قل لئن اجتمعت …… الآية، الإسراء آية ٨٨.
(٢) ثلاث رسائل في إعجاز القرآن – الرسالة الشافية صـ١٢٦ إلى صـ١٤٨ بتصرف.


الصفحة التالية
Icon