فالقسم الأول أعلى الكلام وأرفَعُه، والقسم الثاني: أوسطه وأقصده، والقسم الثالث أدناه وأقربه.
فحازت بلاغات القرآن من كل قسم من هذه الأقسام حصة، وأخذت من كل نوع من أنواعه شعبة، فانتظم لها بامتزاج هذه الأوصاف نمط من الكلام يجمع صفتي الفخامة والعذوبة، وهما على الانفراد في نعوتهما كالمتضادين. لأن العذوبة، نتاج السهولة، والجزالةَ والمتانة في الكلام تعالجان نوعا من الوعورة.
فكان اجتماع الأمرين في نظمه مع نبو كل واحد منهما على الآخر فضيلة خص بها القرآن " (١)
ثم يضيف الخطابي بعد ذلك بقليل مقوماتِ الكلام أو أركانَه بقوله:
وإنما يقوم الكلام بهذه الأشياء الثلاثة: لفظ حامل، ومعنى قائم به ورباط لهما ناظم، فالقرآن ألفاظه أفصح وأجزل وأعذب الألفاظ، ومعانيه تشهد لها العقول بالتقدم في أبوابها، والترقي إلى أعلى درجات الفضل من نعوتها وصفاتها، ولا ترى نظما أحسنَ تأليفا وأشدَّ تلاؤما وتشاكلا من نظمه.
ولا تجتمع هذه الفضائلُ الثلاثةُ في كلام واحد، بل على التفرق في أنواع الكلام، وجَمَعَهَا كلام واحد هو كلام الله (٢).
والسيوطي في إتقانه (٣) يروي قولا للأصبهاني في تفسيره نصه "وبيان كون النظم معجزا يتوقف على بيان نظم الكلام ثم بيان أن هذا النظم مخالف لنظم ما عداه فنقول: مراتب تأليف الكلام خمس:

(١) بيان إعجاز القرآن للخطابي ثلاث رسائل في إعجاز القرآن صـ٢٦.
(٢) المرجع السابق صـ٢٧ بتصرف.
(٣) الإتقان صـ١٠١٠.


الصفحة التالية
Icon