ومن العجيب أن لكل عصر لغة تَسِمُهُ بخَواصِّ التعبير عن مكنونات النفوس، ولذلك يبدو جَلِياًّ كثير من وجوه افتراق الكلام على امتداد الزمن، وإن كان هذا الاختلاف في لغة واحدة.
وإذا نَظَرْتَ في كتب مختلفةٍ أزمانُ تصنيفها تَفَتَّقَ لك وضوحُ فوارِق عدة، تميز عصرا عن عصر، وكَلاَمَاً عن كلام، والقرآن وحده لم تغيره السنون، واختلاف الفنون، لكن الإدراك أو الذوق هو الذي يختلف في كل حين عن سابقه.
ولابد من معرفة أمور تُحَدَّدُ على أساسها صحة كون الوجه إعجازاً قرآنيا وهذه الأمور. (١)
الأول: أن قليل القرآن وكثيرة في شأن الإعجاز سواء.
الثاني: أن الإعجاز، كائن في وصف القرآن وبيانه ونظمه، ومباينة خصائصه للمعهود من خصائص كل نظم وبيان في لغة العرب. ثم في سائر لغات البشر، ثم في بيان الثَّقَلَيْنِ جميعا، إنسهم وجنهم متظاهرين، والله عز وجل لم يقصر التعجيز عن الإتيان بمثل القرآن على الإنس والجن لأن الملائكة تقدر على الإتيان بمثله، ولكن لأن الرسالة كانت إلى الإنس والجن، فوقع التحدي للفريقين، حتى إذا عجزُوا كان عجزُهم دلالةً على أن النبي ﷺ عاجز مثلهم فيظهر بذلك أنه لم يأت بالقرآن من عند نفسه، وإنما أتى به من عند الله
"فأما الملائكة فلم يتحدوا عن ذلك لأن الرسالة إذا لم تكن إليهم لم يكن القرآن حجة عليهم، فنبئوا أكانوا قادرين على مثله أو عاجزين؟ وهم

(١) الظاهرة القرآنية صـ٢٤، ٢٥.


الصفحة التالية
Icon