عندنا عاجزون (١) وليس الإتيان بمثل القرآن من قلب المدائن، والإتيان بالتابوت في شىء، لأن قلب المدينة وحمل التابوت العظيم كالذي يوصف من تابوت بنى إسرائيل لقصور قواهم عنه - قوى بنى إسرائيل - فإذا زادت قوة الملك على قوة الآدمي أضعافاً مضاعفة زاد علمه أيضا لذلك.
وأما نظم القرآن فإنه ليس من جنس نظم كلام الناس، ولكنه مباين لهذا فلا يُهْتَدى إليه فَيُحْتَذَى ويُمَثَّل، فهو كتركيبِ الجواهرِ غيرِ الأجسامِ لتصيرَ أجساما، ولا على قلب الأعيان ولا يقدرون عليه من ذلك، والملائكة لا يقدرون عليه كذلك. وفي ذلك ما أبان أن نظم القرآن ليس من عند جبريل لكنه من عند اللطيف الخبير".
وأضيفُ أنه ما كان التحدي إلا مواجهة لإنكار كون القرآن من عند الله ولا يتصور أن يكون من الملائكة مثل ذلك الإنكار، وبالتالي لا يتصور مجابهتهم بالتحدي ﴿قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ﴾ (البقرة: ٣٢).
الثالث: أن الذين تحداهم بهذا القرآن قد أوتوا القدْرةَ على الفصل بين الذي هو مِنْ كلام البشر، والذي هو ليس من كلامهم.
الرابع: أن الذين تحداهم به كانوا يدركون أن ما طولبوا به من الإتيان بمثله، أو بعشر سور مثله مفتريات، هو هذا الضرب من البيان الذي يجدون في أنفسهم أنه خارج من جنس بيان البشر.

(١) كتاب المنهاج في شعب الإيمان للحليمي جـ١ صـ٣١٩.


الصفحة التالية
Icon