ويرد السكاكي بأنه لو كان ابتداء أسلوب يستلزم تعذر الإتيان بالمثل لاستلزم ابتداء الخطبة والشعر كونه معجزا، إذا لا شبهة في أنها مُبْتَدَءَ اتٌُ تعذر الإتيان بمثلها، ولكن شيئا من ذلك لم يكن معجزا فاللازم مُنْتَفٍ.
٣- ومنهم من يقول: وجه إعجاز القرآن سلامته من التناقض.
ويرد بأن هذا يستلزم كون كل كلام إذا سلم من التناقض وبلغ مقدار سورة من السور أن يُعَدَّ معارضة. واللازم منتف بالإجماع.
٤- ومنهم من يقول: وجه الإعجاز الاشتمالُ على الغيوب.
ويرد بأن هذا القول يستلزم قصر التحدي على السور المشتملة على الغيوب دون ما سواها واللازم بالإجماع أيضا منتف.
فهذه أقوال أربعة: يخمسها ما يجده أصحاب الذوق من أن وجه الإعجاز وهو أمر من جنس البلاغة والفصاحة.
ولا طريق لك إلى هذا الخامس إلا طول خدمة عِلْمَي المعاني والبيان بعد فضل إلهي من هبة يهبها بحكمته من يشاء، وهى النفس المستعدة لذلك، فكل مُيَسَّر لما خلق.
ثم يشير السكاكي إلى أنه لا استبعاد في إنكار هذا الوجه ممن ليس معه ما يطلع عليه. ثم يقر بما كان هو عليه مِنْ مِثْلِ ذلك الإنكارِ بقوله "فَلَكَمْ سحبنا الذيل في إنكاره، ثم ضممنا الذيل ما إِنْ ننكِرُه، فله الشكر الجزيل على ما أولى وله الحمد في الآخرة والأولى" (١).
ومن قبل يوُصِى السكاكي مخاطَبَه قائلا "وأن لا تتجاذَبْك أيدي الاحتمالات فِي وجه الإعجاز" (٢).

(١) مفتاح العلوم صـ٥١٣.
(٢) مفتاح العلوم صـ٥١١.


الصفحة التالية
Icon