ثم نراه ينحي باللائمة على من لم يجعل ذلك في التفسير له غرضا، فيقول (فمن أعجب ما نراه خلو معظم التفاسير عن الاهتمام بالوصول إلى هذا الغرض الأسمى إلا عيون التفاسير، فمن مقل مثل معانى القرآن لأبى إسحاق الزجاج، والمحرر الوجيز للشيخ عبد الحق بن عطية الأندلسي، ومن مكثر مثل الكشاف، ولا يعذر في الخلو عن ذلك إلا التفاسير التى نحت ناحية خاصة من معاني القرآن مثل أحكام القرآن، على أن بعض أهل الهمم العالية من أصحاب هذه التفاسير لم يهمل هذا العلق النفيس كما يصف بعض العلماء كتاب أحكام القرآن لإسماعيل بن إسحاق بن حماد المالكي البغدادي، وكما نراه في مواضع من أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي.
(ثم إن العناية بما نحن بصدده من بيان وجوه إعجاز القرآن إنما نبعت من مختزن أصل كبير من أصول الإسلام، وهو كونه المعجزة الكبرى للنبي ﷺ وكونه المعجزة الباقية) (١).
وإذا كان كلام صاحب التحرير مبنياً على رؤية التلازم بين معرفة علوم العربية وفهم معانى القرآن الذي يعيّن طريقاً للاهتداء به، فإن هذا الاهتداء فرع آخر بل ونتيجة لتلك الدراسة التي تؤكد على إعجاز القرآن، ذلك أنا نرى أن هناك ترابطاً لا ينفك بين النص المعجز والمعنى الشامل لسبل الهداية كلها، هذا الترابط يمكن وصفه إن صح التعبير-بأنه ترابط ما بين المقدمات والنتائج، فغرض الإعجاز مقدمة نتيجته الهداية، أو إن شئت فقل إن غرض الإعجاز أمر يسبق في التقرير غرض الهداية، لأن الناس إذا دعوا إلى العمل بمنهج ما فلا بد من قناعتهم بسلامة مصدر هذا المنهج حتى ينقادوا له عن طمأنينة، والإعجاز- في هذا المجال-قد أدى الغرض فأوفى، فبه عرف أن