ذلك، فهم البلغاء الفصحاء، ولكن العلة في ذلك راجعة إلى أن الله تعالى قد صرفهم عن المحاولة، وسلب علمهم الذى كان يمكن به- في نظر القائل بذلك-أن يأتوا بمثل القرآن، فهم كانوا قادرين، لكنهم لم ينشطوا لهذا الأمر، أو لم تتوفر الدواعى لديهم للمعارضة ابتداءً.
وقد ورد هذا التفسير للقول بالصرفة في عبارات العلماء من قديم:
قال الخطابى: (وذهب قوم إلى أن العلة في إعجازه الصرفة، أى صرف الهمم عن المعارضة، وإن كانت مقدوراً عليها، إلا أن العائق من حيث كان أمراً خارجاً عن مجاري العادات صار كسائر المعجزات) (١).
أي أن الصرف أو المنع الذى سماه الخطابي عائقا لما كان أمراً خارجاً عن العادة صار هو المعجز لا القرآن.
وقال الرماني: (وأما الصرفة، فهى صرف الهمم عن المعارضة، وعلى ذلك كان يعتمد بعض أهل العلم في أن القرآن معجز من جهة صرف الهمم عن المعارضة، وذلك خارج عن العادة كخروج سائر المعجزات التى دلت على النبوة. وما قاله الرمانى قريب مما قاله الخطابى إلا أنه زاد فقال (وهذا عندنا أحد وجوه الإعجاز التى يظهر منها للعقول) (٢). مما بشى بنوع قبول لهذا القول.
وقال الباقلانى رحمه الله: (فإن قيل: فلِمَ زعمتم أن البلغاء عاجزون عن الإتيان بمثله مع قدرتهم على صنوف البلاغات، وتصرفهم في أجناس الفصاحات؟ وهلا قلتم: إنَّ مَن قدر على هذه الوجوه البديعة، وتوجه من هذه الطرق الغريبة كان على مثل نظم القرآن قادراً، وإنما يصرفه الله عنه ضرباً
(٢) "النكت في إعجاز القرآن" ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص ١١٠