وسنشير أولاً إلى ما يبطل تلك الأسباب التى ظهر من كلام العلماء أن الصرفة كانت من أجلها، ثم نعقب بذكر شواهد أخرى تدل على بطلان القول بالصرفة وسقوطه.
أما أول الأسباب التى ساقوها: وهو انعدام دواعي العرب إلى معارضة القرآن، وأنهم لو توفرت تلك الدواعى عندهم فلربما عارضوه، فيرده ما سجله تاريخ هؤلاء العرب مع القرآن، وما أثبته تواتر النقل من توفر تلك الدواعي التى من بينها أن القرآن تحداهم في أكثر من موضع منه بأن يأتوا بمثله، أو بعشر سور أو بسورة من مثله، وقطع بأنهم لن يفعلوا ذلك ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ ؟ (البقرة: ٢٣، ٢٤) ولو تظاهر على ذلك الإنس والجن ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: ٨٨)
كما أن القرآن قد أثار حميتهم- وهم مضرب المثل في الأنفة وإباء الضيم-بما شنه عليهم من حرب شعواء على معتقداتهم التى توارثوها، وسفه عقولهم، وعقول آبائهم، ونعى عليهم الشرك والجهل، وهم مع ذلك قوم صناعتهم البيان، وفخرهم في التنافس في ميدان الكلام، فكيف مع سكوتهم على هذا الضيم الذي لو وجدوا سبيلا إلى دفعه لسلكوه مسرعين، كيف يقال بعدم توفر الدواعى لديهم.
أما ثاني هذه الأسباب: وهو عدم انبعاثهم ونشاطهم، وعدم تعلق إرادتهم بالمعارضة مع وجود الدواعى فينقضه كذلك التاريخ والواقع، فقد سجل هذا التاريخ محاولاتهم الدؤوبة في الكيد للإسلام، حتى وصل الأمر إلى