قد شاعت في كتابات المؤلفين نسبة هذا القول بعامة إلى المعتزلة، وأن أول من جاهر به منهم هو أبو إسحاق إبراهيم بن يسار الشهير بالنظام (ت سنة ٢٢٤هـ) فقد ذهب إلى أن القرآن حق، ولكن تأليفه ونظمه ليس بحجة، لكن من الإنصاف أن نبين أن هذا الكلام عنه يعبر عن شطر رأيه في قضية الإعجاز، وأما الشطر الآخر فعنده أن إعجاز القرآن راجع إلى مافيه من الإخبار بالمغيبات.
قال الشهرستانى يعدد المسائل التى انفرد بها النظام عن أصحابه (التاسعة: قوله في إعجاز القرآن إنه من حيث الإخبار عن الأمور الماضية والآتية، ومن جهة صرف الدواعى عن المعارضة، ومنع العرب من الاهتمام به جبراً وتعجيزا، حتى لوخلاهم لكانوا قادرين على أن يأتوا بسورة من مثله بلاغة وفصاحة ونظما) (١).
هذه المقولة للنظام وإن لم يكتب لها حظ من القبول عند جماهير العلماء، بل كانوا على خلافها، وعملوا جهدهم في ردها، إلا أنها أثرت عن البعض في فترات لاحقة مختلفة، فقد نسبت كذلك إلى الشريف المرتضى الذى عاش في القرن الرابع الهجرى، والذى فسر الصرفة بأن الله سلب العرب العلوم التى يحتاج إليها في المعارضة ليجيئوا بمثل القرآن، يذكر ذلك الرافعي عنه ثم يقول (فكأنه يقول: إنهم بلغاء يقدرون على مثل النظم والأسلوب، ولا يستطيعون ما وراء ذلك مما لبسته ألفاظ القرآن من المعانى، إذ لم يكونوا أهل علم، ولا كان العلم في زمنهم، وهذا رأى بين الخلط) (٢).
(٢) إعجاز القرآن للرافعي: ١٤٤