وممن حكى عنه القول بالصرفة كذلك ابن حزم الظاهري (ت سنة ٤٥٦هـ‍) الذى قال في سبب الإعجاز (لم يقل أحد إن كلام غير الله تعالى معجز، لكن لما قاله الله تعالى وجعله كلاّما له أصاره معجزاً ومنع من مماثلته) (١).
وقد رأينا فيما سبق كيف حمل العلماء على هذا القول وفَنَّدوه كالباقلانى وعبد القاهر وغيرهم، ومع هذا فقد تردد صدى هذا القول فيما بعد، وترك آثاره في فكر بعض المفسرين- من المتكلمين- عن الإعجاز كأبى عبد الله فخر الدين الرازى (ت سنة٦٠٤هـ‍) الذى قال في معرض تفسيره لقول الله تعالى: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً﴾ (الإسراء: ٨٨) ما نصه:
(اعلم أنا في سورة البقرة في تفسيره قوله تعالى ﴿وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ﴾ بالغنا في بيان إعجاز القرآن، وللناس فيه قولان: منهم من قال: القرآن معجز في نفسه، ومنهم من قال: إنه ليس في نفسه معجزاً إلا أنه تعالى لما صرف دواعيهم عن الإتيان بمعارضته مع أن تلك الدواعى كانت قوية كانت هذه الصرفة معجزة، والمختار عندنا في هذا الباب أن نقول: القرآن في نفسه إما أن يكون معجزاً أو لا يكون، فإن كان معجزاً فقد حصل المطلوب، وإن لم يكن معجزا بل كانوا قادرين على الإتيان بمعارضته، وكانت الدواعى متوفرة على الإتيان بهذه المعارضة، وما كان لهم عنها صارف ومانع، وعلى هذا التقدير كان الإتيان بمعارضته واجباً

(١) الفصل في الملل والأهواء والنجل: ٣/١٩


الصفحة التالية
Icon