وتثبت المؤمنين، ولقد شاءت حكمة الله تعالى أن تكون معجزات الأنبياء السابقين في أممهم حسية يراها المشاهدون، ويعاينها الحاضرون: كناقة صالح، وبرد النار وسلامها على إبراهيم، وعصا موسى، وإبراء الأكمه والأبرص، وإحياء الموتى بإذن الله لعيسى صلوات الله عليهم جميعا، وأكثر ما كانت المعجزات الحسية في بني إسرائيل، وما كان ذلك إلا لفرط بلادتهم، وغلظ حسهم ثم ختم الله تعالى رسله إلى خلقه بمحمد صلى الله عليه وسلم، وكما أيد من قبله بتلك المعجزات الحسية أيده كذلك بكثير منها، كتلك التي كان يطلبها المشركون تعنتاً، فيجابون إلى بعضها ولا يؤمنون (١). ولا يجابون إلى أكثرها، رحمة من الله تعالى أن ينزل بهم العذاب عند تكذيبهم بها، كما جاء ذلك في قوله تعالى: ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً﴾ (الإسراء: ٥٩)
كما كان الكثير من هذه المعجزات الحسية (٢) يحدث ابتداء على مرأى من المؤمنين، فيكون ذلك مواساة لهم، وتثبيتا لقلوبهم، وتعميقا ليقينهم.
لكن المعجزة الكبرى لهذا النبي الخاتم ﷺ كانت من نوع آخر، إنها المعجزة العقلية الباقية، التي تخاطب الأجيال في كل عصر، يراها ويقرؤها الناس
(٢) قد استفاضت الأخبار الصحيحة بالعديد من هذه المعجزات لرسول الله صلي الله عليه وسلم، كتكثير الطعام بين يديه، ونبع الماء وفورانه من بين أصابعه حتى يتطهر ويرتوي الجمع الكثير من أصحابه من الماء القليل، وكذلك سماع تسبيح الطعام وهو يؤكل أمامه، وحنين الجذع إليه عند انتقاله صلي الله عليه وسلم إلى منبر صنع له ليخطب الناس علىه، وكل ذلك عند البخاري رحمه الله في صحيحه، يرجع في ذلك إلى: كتاب المناقب، باب علامات النبوة.