في كل حين، إنها القرآن الكريم، الذي أعجز الفصحاء، وانقطع أمامة البلغاء في الأمة العربية، التي سما بيانها، ولمع ذكاؤها، فكان المعجزة الباقية للرسالة الخاتمة.
إن اختصاص النبي الخاتم ﷺ بمعجزة القرآن الباقية خلافا للرسالات السابقة يأتي إيضاحه وتعليله كذلك في حديثه صلوات الله وسلامه عليه:
"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلى، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة" (١).
وفي معنى الحديث أقوال تصح في مجملها، ولعل أوضحها أن المراد: أن معجزات الأنبياء السابقين انتهت بانتهاء عصورهم، فلم يعاينها إلا من حضرها، أما معجزة القرآن فهي باقية إلى يوم الدين فهو في كل عصر خارق للعادة في أسلوبه وبلاغته وسائر وجوه إعجازه ومنها إخباره بالمغيبات، فلا يمر عصر من الأعصار إلا ويظهر شيء مما أخبر به أنه سيكون يدل على صحة دعواه، وكذلك فالمعجزات الماضية كانت حية تشاهد بالأبصار، وأما القرآن فمعجزة عقلية تشاهد بالبصيرة، فيكون من يتبعه لأجلها أكثر، لأن الذي يشاهد بعين الرأس ينقرض بانقراض مشاهده، والذي يشاهد بعين العقل باق يشاهده كل من جاء بعد الأول (٢).
ولهذا رد الله تعالى على المشركين طلبهم لخوارق الآيات، وسؤالهم المعجزات بكفاية القرآن وعدم الحاجة إلى غيره من الآيات، وذلك في قوله سبحانه: {وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا
(٢) يراجع في ذلك ما قاله ابن حجر رحمه الله تعالى في (فتح الباري) : ٩/٧