وقد اختلفت الأنظار في حقيقة رأى الجاحظ في إعجاز القرآن، فالبعض يرى أن تلمذته للنظام أثرت في مذهبه في الإعجاز، وأنه تابع شيخه في القول بالصرفة وإن لم يصرح بذلك.
قال د. أحمد جمال العمرى: (وجاء الجاحظ وعملا بمبدأ الالتزام الأدبي النقلي تابع أستاذه النظام، وإن كان لم يذكر ذلك صراحة في بادئ الأمر، ولكنه تحفظ نوعا؟ولعل تحفظه أن يصرح علانية بموافقته على رأى النظام كان نتيجة لردود الفعل التى أحدثها رأى النظام في المجتمع الإسلامى خاصة عند جماعة السلف، فلم يرد الجاحظ أن يكون هو الآخر هدفاً لهذا التيار الجارف الذى تعرض له أستاذه.. لذلك نراه يدور حوله أول الأمر، لكنه لا يعلنه صراحة) (١).
بينما يرى الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله غير ذلك فيقول: (وإن أول ما كتب في إعجاز القرآن من ناحية البيان كان في الوقت الذى جاء فيه القول بالصرفة بين نفي وإثبات كما أشرنا، وأول من عرف أنه تصدى للكلام في الإعجاز في نظم القرآن هو الجاحظ تلميذ النظام، الذى أنكر عليه قوله، وعابه في منهاجه الفكرى من أنه يظن الظن، ثم يجعله أصلا يجرى عليه القياس مصححا لقياسه بالمنطق، والعيب في أصل القول الذى بنى عليه، لا في الأقيسة التى أجرى بها مشابهاته) (٢).
وعلى كلٍ، فإنه حتى لوصح كلام القائلين بإضمار الجاحظ للقول بالصرفة وميله إليه فإن ذلك لا يغض من كونه أول من نهض لإبراز الإعجاز
(٢) المعجزة الكبرى: ٦٢، ٦٣