وفي القرن الثامن ألف بدر الدين الزركشى (سنة ٧٩٤هـ‍) كتابه (البرهان في علوم القرآن) وضمّن مباحثه نوعاً في معرفه إعجاز القرآن الكريم، قال فيه بعد استعراض بعض المصنفات في الإعجاز، وبعد استعراضه آيات التحدى بالقرآن: (وإعجاز القرآن ذكر من وجهين: أحدهما إعجاز متعلق بنفسه، والثانى بصرف الناس عن معارضته) ثم رد القول بالصرفة من وجوه، وبعدها ذكر أوجها للإعجاز من بينها: تأليف القرآن ونظمه الخاص به، وكذلك ما فيه من الإخبار عن الغيوب المستقبلة، وما تضمنه من إخباره عن قصص الأولين، وإخباره عن الضمائر- أى السرائر- من غير أن يبدو من أصحابها ما أكنته ضمائرهم من قول أو فعل، مثل قول الله تعالى: وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ..} (المجادلة: ٨) ؟إلى آخر تلك الأوجه (١).
وفي القرن التاسع سلك برهان الدين بن عمر البقاعى (ت سنة ٨٨٥هـ‍) طريقة التطبيق في إظهاره لإعجاز القرآن، فألف كتابه (نظم الدرر في تناسب الآيات والسور) جمع فيه من أسرار القرآن، وأتقن الكلام في فن المناسبات بين الآيات والسور كما ينبئ عنه اسم الكتاب، وهو من باب إعجاز القرآن في حسن تأليفه وتفرده في ذلك.
ثم كان القرن العاشر الذى شهد فارساً من فرسان هذا الباب، وعلما من أعلام الإسلام، وهو الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبى بكر السيوطى (ت سنة ٩١١هـ‍) الذى ألف سفره القيم (الإتقان في علوم القرآن) وضمنه ثمانين نوعا من مباحث علوم القرآن، خصص النوع الرابع والستين منها للكلام في إعجاز القرآن، فقدم بين يدى الكلام في ذلك بذكر بعض من

(١) البرهان في علوم القرآن: ٢/١٠١ وما بعدها.


الصفحة التالية
Icon