ويرفضون الاعتراف بأنه من عند الله.. إنهم يقفون منه مثلما يقف الماجن أمام أب ثاكل! قد لا ينخلع من مجونه الغالب عليه، ولكنه يؤخذ فترة ما بصدق العاطفة الباكية، أو مثلما يقف الخلي أمام خطيب يهدر بالصدق، ويحدث العميان عن اليقين الذي يرى ولا يرون.. إنه قد يرجع مستهزئا، ولكنه يرجع بغير النفس التي جاء بها) (١).
هذا التأثير النفسي الذي أشار إليه الشيخ رحمه الله هو من أظهر خصائص القرآن الكريم التي تبرز عند سماعه، فيمضي سامعه في تفكير يملك عليه أقطار نفسه، فيفضي به إلى الإيمان إذا صفت نفسه واستقامت فطرته، أو يفضي به إلى مزيد من العناد يدفع به هذا التأثير الغالب خشية الاقتناع به إذا كان السامع غليظ القلب جاحداً للحق مظلم النفس، وعندها يأتي من أبواب التدليس والكذب ما يعلل به هذا العناد.
ولكل مما ذكرنا مما يقضي إليه تأثير القرآن في نفوس سامعيه أمثلة:
فمن أمثلة التأثير المفضي إلى الإيمان ما أخرجه البخاري (٢). من حديث جبير بن مطعم أنه قال سمعت النبي ﷺ يقرأ في المغرب بالطور، فلما بلغ هذه الآية: _ ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ. أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ. أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ﴾ (الطور: ٣٥-٣٧). كاد قلبي أن يطير.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى) قوله: " كاد قلبي أن يطير" قال الخطايى: كأنه انزعج عند سماع هذه الآية لفهمه معناها، ومعرفته بما تضمنته،
(٢) في صحيحه: كتاب التفسير، باب من سورة الطور