إن الأثر الذي يحدثه القرآن أعظم من أن تقوم له من الأرض جبالها الرواسي ﴿لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ (الحشر: ٢١).
وفي طبيعة هذا الأثر لدى المؤمنين جاء قول الله تعالى: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ (الزمر: ٢٣).
وفي طبيعة هذا الأثر لدى المعاندين جاء قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُوراً﴾ (الإسراء: ٤١). وفي كليهما على طريق المقابلة جاء قول الله تعالى ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً﴾ (الإسراء: ٨٢).
هذا هو أثر القرآن تنطق به آياته المباركة، وينطق به كذلك واقع الناس في كل وقت، ومازلنا نشاهد هذا الأثر في نفوس سامعيه: خشوعاً وخضوعا للحق إذا صفت الفطرة واستقامت النفوس، وخوفاً من سطوة هذا الأثر إذا أظلمت القلوب وأصرت على الكفر، فتتخذ حينئذ من أجل ذلك وسائل تحول بينها وبين هذا التأثير، قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ (فصلت: ٢٦).
ذلك هو ما اصطلح على تسميته –من بين وجوه إعجاز القرآن-بالإعجاز النفسي، وهو موضع عناية علماء المسلمين من قديم، قال القاضي عياض مشيراً إلى تأثير القرآن في النفوس وهو يعد وجوه الإعجاز (ومنها: الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه، والهيئة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله، وإنافة خطره، وهى على المكذبين به أعظم حتى كانوا


الصفحة التالية
Icon