وهذا الأمر ينسحب على الإعجاز العلمي من جهة أن ما جاء في الآيات من مظاهره إنما هو توسيع لمدلول هذه الآيات في جوانب أخرى، إضافة إلى ما كان من جوانب سابقة، وسيأتي مزيد إيضاح لذلك.
على أننا نود أن ننبه هنا إلى أمرين على جانب كبير من الأهمية:-
أولهما: أنه لن يكون هناك تعارض أو تناقض بأي حال، ولا من أي نوع بين أي نص قرآني صريح في دلالته، وبين أي حقيقة علميه بلغت يقين المعاينة، والمشاهدة، ضرورة أن خالق الكون سبحانه هو منزل القرآن الكريم، ولن يكون تناقض أبداً بين قول الله تعالى وبين خلقه ﴿أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك: ١٤).
ثانيهما: أن القرآن الكريم في الأساس كتاب هداية، أنزله الله تعالى لإخراج الناس من الظلمات إلى النور: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ الإسراء: ٩). ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾ (إبراهيم: ١).
تلك هي مهمة القرآن الأصلية، وقد وضحت سبل الهداية فيه: في عقائده وتشريعاته، وكانت مظاهر القدرة في الآيات الكونية فيه- كما بيننا –وسيلة من وسائل الاحتجاج للحق الذي جاء به.
فالقرآن- والأمر كذلك-ليس كتاباً في العلوم التطبيقية مثل الطب أو الفيزياء أو الفلك أو الهندسة أو الزراعة أو التعدين ونحوها، وإنما هو دستور للهدى والحق، لكنه مع ذلك يتضمن في سياق آياته وفي رسم طريق الهداية للبشر من المعارف فيما سبق من العلوم بطريق التبع حقائق تدهش أهل التخصص في تلك العلوم، فيستقر في عقولهم من جراء ذلك ما يرسخ يقينهم، ويثبت إيمانهم إن كانوا مؤمنين أصلا أو يقيم الدليل عندهم على حق كانوا في