الثروة، ممَّا جعل اللغويين والمفسرين يعكفون على دراسة الغريب لبيان معانيه، والاستشهاد عليه بشعر العرب وأقوالهم. ومن ذلك كتاب ((تفسير غريب القرآن)) لابن قتيبة، حيث يقول في مقدمته: ((وكتابنا هذا مُسْتَنْبَط من كتب المفسرين وكتب أصحاب اللغة العالمين، لم نخرج فيه عن مذاهبهم، ولا تكلَّفْنا في شيء منه بآرائنا غيرَ معانيهم، بعد اختيارنا في الحرف أَولَى الأقاويل في اللغة وأشبهها بقصة الآية)) (١).
ويرى الدارسون أن القرآن سبب ظهور علم الغريب بمفهومه العام، وما جرَّ إليه من حركة جمع الشعر والنوادر، وما تبع ذلك من رحلات علمية نشطة إلى البوادي (٢). ومن الكتب التي وصلَتْنَا في هذا الحقل: كتاب ((الغريبَيْن)) : غريب القرآن وغريب الحديث لأبي عبيد الهروي، و ((بهجة الأريب في بيان ما في كتاب الله العزيز من الغريب)) للتركماني، و ((تذكرة الأريب في تفسير الغريب)) لابن الجوزي. وقد خَدَمَتْ هذه المصنفات كتاب الله بأنها اختَصَّتْ بما يراه أصحابها داخلاً تحت مصطلح الغريب، فيمضون في شرحه وبيان آراء العلماء في دلالته، وقد كان في مصنفات الغريب مادة ذات شأن أفادت منها كتب التفسير عبر القرون؛ وذلك لأنَّ المفسِّر لا بد أن يبدأ بالمعنى اللغوي للمفردة القرآنية قبل الشروع في استنباط الأحكام منها.

(١) تفسير غريب القرآن ٤.
(٢) المفصل في تاريخ النحو العربي ١٧.


الصفحة التالية
Icon