اللحن وتَفَشِّيه في الكلام، وزحفه إلى لسان مَنْ يتلو القرآن، هو الباعث على تدوين اللغة، واستنباط قواعد النحو منها، وعلم العربية شأنه شأن كلِّ العلوم تتطلبه الحوادث والحاجات (١)، وليس ثمة من علم يظهر فجأة من غير سابقةِ تفكير وتأمُّل فيما يتعلق به، وهذا قد يستدعي غموض نشأة بعض العلوم ومعرفة واضعها التي ابتدأها.
ويعود التفكير في علم النحو إلى ظاهرة شيوع اللحن والخشية على القرآن منها؛ وذلك لأن رغبة العرب المسلمين في نشر دينهم إلى الأقوام المختلفة أنشأ أحوالاً جديدة في واقع اللغة، ما كان العربُ يعهدونها من قبل، إذ كانت الفطرة اللغوية قبل الإسلام سليمةً صافية. واستمر الحال على هذا في عصر نزول القرآن، بَيْدَ أن الرواة يذكرون أن بوادر اللحن قد بدأت في الظهور في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن تلك الروايات أنه سمع رجلاً يلحن في كلامه فقال: ((أَرْشِدوا أخاكم)) (٢). ويورد الدارسون بعض الروايات على تَسَرُّب اللحن إلى ألسنة الناس في عهد الخلفاء الراشدين، وذلك أثر من آثار اختلاط العرب الفصحاء بغيرهم من الشعوب غير العربية، ممَّا أضعف السليقةَ اللغوية لديهم.
ويروي القرطبي (٣) عن أبي مُلَيكة أن أعرابياً قدم في زمان عمر بن

(١) أصول علم العربية في المدينة ٢٨٦.
(٢) المستدرك ٢ / ٤٣٩، كتاب التفسير، تفسير سورة السجدة. وقال: صحيح الإسناد.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١ / ٢٤. وانظر نزهة الألباء ٨.


الصفحة التالية
Icon