ويذكر أن الحجَّاج قرأ ((إنا من المجرمون منتقمون)) (١) وكان كثير من أبناء العرب وُلِدوا لأمهات غير عربيات، فنشأ جيل من هؤلاء الأبناء لديه استعداد لكي يلحن في القرآن وغيره، ممَّا جعل الحاجَة تمسُّ للبدء في وضع ضوابط يُعْرف بها الصواب من الخطأ (٢).
ويمكن أن نضيف إلى هذه العوامل ما شاع في الوسط الاجتماعي الذي تعيش فيه الأمة الإسلامية، إذ كان فيه مجموعة من اللغات المتداولة إلى جانب العربية، منها الفارسية والسريانية، وهذا الوسط الاجتماعي سوف يشهد تزاوجاً طبيعياً بين عناصره من اللغات المختلفة، ممَّا أدى إلى اتساع الفوارق بين اللغة الفصيحة واللغة المحكيَّة (٣)، ومثل هذه الفوارق تُقلق أصحاب الغَيْرة على لغة القرآن، وبذلك ترتبط نشأة النحو بجذور الحياة الإسلامية في ذلك الزمن.
وتختلف الروايات وتتضارب في تحديد أول مَنْ شرع يُسَجِّل بعض الظواهر النحوية، أو يبني شيئاً من الضوابط الأولية في فهم العلاقات بين عناصر التركيب اللغوي. يقول الزبيدي (٤) :((فكان أولَ مَنْ أصَّل ذلك، وأعمل فكره فيه أبو الأسود ظالم بن عمرو الدؤلي ونصر بن عاصم وعبد الرحمن بن هُرْمز، فوضعوا للنحو أبواباً وأصَّلوا له أصولاً، فذكروا عوامل

(١) الآية (٢٢) من سورة السجدة، وانظر: البيان والتبيين ٢ / ٢١٨.
(٢) المدارس النحوية ١٢.
(٣) المفصل في تاريخ النحو ٣١.
(٤) طبقات النحويين ١١.


الصفحة التالية
Icon