الرفع والنصب والخفض والجزم، ووضعوا باب الفاعل والمفعول والتعجب والمضاف، وكان لأبي الأسود في ذلك فضل السبق وشرف التقدم، ثم وصل ما أصَّلوه من ذلك التالون لهم والآخذون عنهم، فكان لكل واحد منهم مِن الفضل بحسبِ ما بَسَط من القول ومَدَّ من القياس وفَتَقَ من المعاني وأوضح من الدلائل، وبيَّن من العلل)).
ومر بنا قبل قليل رواية تُرجع الأمر إلى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذ أمر أبا الأسود بوضع النحو، كما روي عنه أنه كتب إلى أبي موسى الأشعري، ليوجِّه مَنْ يختاره لتعليم العربية؛ فإنها تدلُّ على صواب الكلام (١). وذكر صاحب ((مراتب النحويين)) (٢) أن أبا الأسود أخذ النحو عن علي رضي الله عنه لأنه سمع لحناً، فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفاً، وأشار إلى الرفع والنصب والجر. وذكر صاحب ((نزهة الألباء)) أن عليّاً سمع أعرابياً يقرأ ((لا يأكله إلا الخاطئين)) (٣) فوضع النحو.
ويقول الدكتور محمد خير الحلواني: ((ترجع قيمة أبي الأسود الدؤلي في تاريخ النحو إلى أنه هو أولُ مَنْ اتجه بالدراسة اللغوية إلى الاستقراء والاستنباط، وكانت قبله تقوم على محاكاة الأعراب والاختلاط بهم، وحِفْظ الشعر والأنساب، فتحوَّل بها إلى وضع الضوابط الدقيقة، ورَصْد الظواهر

(١) إيضاح الوقف والابتداء ١ / ٣١.
(٢) مراتب النحويين ٢٤.
(٣) نزهة الألباء ٨، والآية (٣٧) من سورة الحاقة.


الصفحة التالية
Icon