واللسان لذلك وأَمْلَوا فيه الدواوين)). فابن خلدون يُنَوِّه بهمَّة علماء اللغة في تدوين ما توصَّلوا إليه من نظرات؛ بُغْيَةَ تيسير تلاوة القرآن وفَهْمه.
وفي موضع آخر من ((مقدمته)) ينصُّ على الدافع الرئيس من وراء هذه الحركة العلمية، فيقول (١) :((وخشي أهل العلوم منهم أن تَفْسُدَ تلك المَلَكة رأساً ويطول العهد بها، فينغلق القرآن والحديث على المفهوم، فاستنبطوا مِنْ مجاري كلامهم قوانين لتلك الملكة مطَّردة شبهَ الكليات والقواعد، يقيسون عليها سائر أنواع الكلام وبذلك تكون الخطوة الأولى في صَرْح تأسسيس علم النحو بمنزلة ردٍّ مباشر لتسرب اللحن إلى اللسان العربي بعامة، وإلى القرآن بخاصة، ولابد أن يكون قد صاحَبَ ذلك جهود تمثَّلَتْ في تأمُّل اللغة والنظر في مفرداتها وتراكيبها وشواهدها، فنجم عن تلك الجهود النواة الأولى لعلم النحو والإعراب، وكان الشروع في ضوابط العربية مِنْ قِبَل أصحاب النظر في اللغة. وازدهرت لإنجاز هذه المهمة حركة علمية واسعة، وهذا يدلُّ على شعور بالحاجة اللغوية وبروز التناقض بين المثال المتجسِّد في لغة القرآن والواقع الذي صارت إليه اللغة على ألسنة الناس (٢).
والحقيقة أنَّ كلَّ الروايات التي يسردها المؤرخون مفادُها تعثُّر قَرَأة كتاب الله مِن عامة الناس وخاصتهم، وهي تفسيرٌ لمشاعر الخوف الذي لابس المسلمين مِنْ جرَّاء شيوع اللحن.

(١) المقدمة ٥٤٦.
(٢) المفصل في تاريخ النحو العربي ٧٣.


الصفحة التالية
Icon