الصِّرْفة (١) التي تأثرت بما يقوله الهنود عن كتابهم المقدس ((الفيدا))، إذ اعتقد البراهمة أنهم يعجزون عن الإتيان بمثله؛ لأن براهما صرفهم عن ذلك، وفي مقدور الخاصة محاكاته، ولكنهم ممنوعون احتراماً. وذهب إبراهيم النظَّام المعتزلي هذا المذهب، فكان يعتقد أن القرآن ليس في درجة من البلاغة والفصاحة تمنع من الإتيان بمثله، فبلاغته لاتزيد على بلاغة سائر الناس، وهو من جنس كلام البشر. ومثل هذا الرأي دفع علماء المسلمين إلى الخوض في مسائل البلاغة التي تدرس خصائص النص القرآني، ممَّا سيكون له أثر كبير في إغناء المباحث البلاغية، فقد أثمرت أهمَّ نظرية في تراثنا البلاغي وهي نظرية النظم (٢)، ومن هنا كان الردُّ على النظَّام ونظريته في الصِّرْفة باعثاً مهماً ومنطلقاً لعلماء البلاغة أن يُثْبِتوا تَفَوُّق الأسلوب القرآني على الأساليب البشرية وتميُّزه بصنوف البيان البديع، وهذا الدافع جعلهم يَبُثُّون بذور علم البلاغة وفروعها المختلفة، مما كان أساساً لاكتمال صورتها في مصنفات القرون التالية.
وإذا كان الدافع للاهتمام ببيان القرآن في أول الأمر هو الدفاع عن الكتاب العزيز أمام نزعات الشك وردِّ المطاعن، فإنَّ دراسات جادَّة شرعت في بناء منظومة واسعة، غرضها شرح أوجه إعجاز القرآن ودراسة أسلوبه.
وهذه الدراسات زَوَّدت مسيرة علم البلاغة بفيض من الأصول والأمثلة

(١) إعجاز القرآن للدكتور مصطفى مسلم ٥٩.
(٢) التفكير البلاغي عند العرب ٣٨.


الصفحة التالية
Icon