التي اعتمدَتْها مصنفات علوم البلاغة فيما بعد القرون الأولى (١)، وكان اختلاف وجهات النظر في مواطن إعجازه مادةً ثرَّة، رفدت هذه العلوم بروافد تأصيلية في البحث البلاغي والنقد الأدبي (٢)، وبذلك يتبيَّن لنا أن أهمَّ جانب ساعد على ظهور التفكير البلاغي هو الجانب المتصل بإعجاز القرآن، كما يتبيَّن لنا أن اتساع الدراسات البلاغية وازدهارها إنما كان لخدمة القرآن الكريم.
وتفرع على النظر في أسلوب القرآن واتخاذه المقياسَ البلاغي الأمثل النظرُ في الأساليب الأدبية نثرها وشعرها، والموازنة فيما بينها (٣). وكان أبو عبيدة معمر بن المثنى مِن أوائل مَنْ أَلَّفَ فيها، وكان غرضه توضيح الأساليب القرآنية.
ويذكر ياقوت في ((معجم الأدباء)) (٤) رواية عنه يقول فيها: ((قال أبو عبيدة: أرسل إليَّ الفضل بن الربيع إلى البصرة في الخروج إليه سنة ثمان وثمانين ومئة، فقدمتُ إلى بغداد، واستأذنْتُ عليه، فأَذِن لي فدخلتُ عليه... ثم دخل رجلٌ له هيئة، فأجلسه إلى جانبي، وقال له: هذا أبو عبيدة عَلاَّمة أهل البصرة، أَقْدَمْناه لنستفيد من علمه وقال لي: إني كنت إليك مشتاقاً، وقد سألت عن مسألة، أفتأذن لي أن أعرِّفك إياها؟ فقلت: هات. قال: قال الله
(٢) الموجز في تاريخ البلاغة ٤٧.
(٣) الموجز في تاريخ البلاغة ٤٥.
(٤) معجم الأدباء ١٩ / ١٥٨.