المبحث الرابع: عناية المسلمين بالشعر خدمة للقرآن الكريم
للشعر منزلة كبيرة في علوم العربية؛ لأنَّه هيَّأ لها مادة واسعة في سبيل تأصيل مفردات اللغة، وبيان نسيج تركيبها وأوجه استعمالاتها. وقد عني به علماء العربية خدمة للقرآن الكريم؛ لأنه ديوان العرب، وكان له قبل الإسلام منزلة سامية لدى القبائل العربية، كما كان للشعراء مرتبة رفيعة، بَيْدَ أن بيان القرآن المعجز لم يستطع الشعر مغالبته، وصارت الألسنة تلهج بتلاوة النص القرآني الفريد.
ومع أن الناس كانوا يُجْمعون على تفوُّق بيانه لم يهجروا الشعر، بل عَدُّوه عوناً لهم على فَهْم مُعْضِلات القرآن، والوصول إلى معانيه (١)، ومن هنا صار الشعر وسلية ذات شأن، أصبحت تساهم مساهمة فاعلة في تفسير القرآن، وخدمة جوانبه المتعددة.
والواقع أن العناية بلغة الشعر والاستشهاد بها على غريب القرآن ومفرداته وبيانه، ليست مسألة طارئة على الحياة العلمية في عصر التابعين، وإنما كانت هذه العناية مألوفة عند الصحابة رضوان الله عليهم؛ فقد أورد الزمخشري (٢) رواية عن الخليفة الراشد عمر رضي الله عنه، حيث سأل وهو على المنبر

(١) أثر القرآن في تطور النقد العربي ١٩٤.
(٢) الكشاف ٢ / ٤١١، وانظر: الدر المصون ٧ / ٢٢٥.


الصفحة التالية
Icon