من أفواه الأعراب (١)، ولولا هذا النشاط المبذول في جمع الشعر والعناية به لخدمة القرآن لاندثر الشعر الجاهلي (٢).
وكلما تباعد الناس عن عصر نزول القرآن برزت الحاجة إلى معرفة غريب القرآن، فكان الشعر مِنْ أهمِّ الوسائل لفهم هذا الغريب، والإجابة عن استفسارات الناس المتجددة (٣). ثم تدخل محاولات جمع الشعر مرحلة التنظيم والجمع من خلال المجموعات الشعرية التي جمعها الثقات من اللغويين كالمفضليات والأصمعيات وجمهرة أشعار العرب، وتضمُّ هذه المجموعات قصائد لشعراء يُستشهد بشعرهم في مضمار اللغة. وقد يَجْمَعُ أحد علماء اللغة شعر أحد الشعراء الجاهليين في ديوانٍ واحد ويشرح غريبه، وبذلك مدَّ الشعرُ العربي حركةَ التفسير القرآنية التي بدت تنمو وتزدهر مع مرور الأيام، كما مدَّ هذا الشعرُ معاجمَ اللغة وكتب النحو والصرف والبلاغة بشواهد غزيرة تساهم في تأصيل علومها. وقد كان للعلماء الثقات في هذه الخطوات دورٌ كبير في سَدِّ أبواب الانتحال والوضع؛ ليكون الاستشهاد مبنياً على أسس صحيحة (٤)، وكلما ابتعد الناس عن موارد الفصاحة وتقدَّمت بهم الأيام، صَعُبَ عليهم فَهْمُ الشعر والتعامل معه لكثرة غريبه المبثوث فيه،
(٢) فصول في فقه اللغة ١١١.
(٣) المفصل في تاريخ النحو العربي ٣٢.
(٤) أثر القرآن في تطور النقد العربي ١٩٤.