وينقل أبو عمرو الداني في كتابه ((المحكم في نقط المصاحف)) رواية عن المبرد يقول فيها (١) :((لمَّا وَضَع أبو الأسود الدؤلي النحو قال: ابْغُوا لي رجلاً، وليكُنْ لَقِناً. فطُلب الرجل فلم يوجد إلا في عبد القيس. فقال أبو الأسود: إذا رأيتني لفظت بالحرف فضممت شفتيَّ فاجعل أمام الحرف نقطة. فإذا ضممت شفتيَّ بغنة فاجعل نقطتين. فإذا رأيتني قد كسَرْت شفتيَّ فاجعل أسفل الحرف نقطة، فإذا كَسَرْت شفتيَّ بغنة فاجعل نقطتين، فإذا رأيتني قد فتحت شفتيَّ فاجعل على الحرف نقطة، فإذا فتحت شفتيَّ بغنة فاجعل نقطتين)). قال المبرد: ((فذلك النَّقْطُ بالبصرة في عبد قيس إلى اليوم)).
وكانت نُقَط الحركات هذه تُكتب بصبغ يخالف لون المداد الذي كُتبت به الحروف ونقطها، فكان ذلك يَشُقُّ على الكاتب؛ إذ يتحتم أن يكتب بقلمَيْن ومدادَيْن مختلفين (٢).
ويبدو أنه قد أتى على صنيع أبي الأسود في شكل الحركات الإعرابية حينٌ من الدهر، ثم طرأ عليها تعديل جديد قام به الخليل الفراهيدي، فقد أورد الداني في ((محكمه)) رواية ثانية عن المبرد يقول فيها (٣) :((الشكل الذي في الكتب من عمل الخليل، وهو مأخوذ من صور الحروف، فالضمة واو صغيرة الصورة في أعلى الحرف؛ لئلا تلتبسَ بالواو المكتوبة، والكسرة ياء تحت الحرف، والفتحة ألف مبطوحة فوق الحرف)). وصنيع الخليل هذا لم

(١) المحكم ٦.
(٢) فصول في فقه اللغة ١١٤.
(٣) المحكم ٧.


الصفحة التالية
Icon