ربطوه بأوثقِ رباطٍ، وعقلوه بأحكم عقالٍ، ورسموا في ذلك رسوماً، وعوّلوا في ذلك كلّه على الشعر، والاحتجاج به، وهذا للغة العرب خصوصاً ليس هو لسائر لُغاتِ الأمم، وذلك كُلُّه لشدّة حاجة الناسِ إلى معرفة لغة العرب، ليصلوا به إلى ما ذكرنا من معاني القرآن والألفاظ الغريبة فيه، وفي أحاديث رسول الله ﷺ والصحابة والتابعين، والأئمة الماضين، وما يجيء في الشريعة من الأسامي في أصول الفرائض والسُّنن، ممّا الجهل به نقص ظاهر على المرء المسلم، وشينٌ فاضح على كُلِّ ذي دين ومروءة " (١).
وأمّا عامة المسلمين، وطُلاّب القرآن وعلم الشريعة خاصة، فقد أقبلوا على العربية، يتلقّنونها، ويتعلّمون ما فيها من سنن الكلام وطرائقه، وألفاظه ومعانيه، ويتذوّقون وجوه البلاغة فيه والبيان، امتثالاً لأمر من تجب طاعته، ورغبةً في التفقّه في الدين الذي لا يتمّ إلاّ بمعرفة اللغة. قال أبو حاتم: " وقد حثَّ النبي ﷺ أصحابه على تعلُّم اللغة والإعراب، روى أبو عُبيدٍ بإسنادٍ له عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعربوا القرآن [والتمسوا غرائبه] (٢).
وعن ابن مسعودٍ قال: "أعربوا القرآن فإنّه عربيٌّ" وقال عمر بن الخطاب: "تعلّموا إعراب القرآن كما تتعلّمون حفظه" وفي حديثٍ آخر قال عمر: "تعلّموا اللَّحْنَ والفرائض والسُّنَّة كما تتعلّمون القرآن"
وعن يحيى بن عتيق قال: "سألت الحَسَن، فقلت: الرَّجُلُ يتعلّم العربيّة يلتمس بها المنطق، ويقيم بها قراءته، فقال الحَسَنُ: فتعلَّمْها، فإنّ الرجل يقرأ الآية، فيعيا بوجهها، فيهلك فيها.

(١) السابق ص ١٣٤.
(٢) السابق ص ١٢٤ وقد عزا المحقّق الحديث إلى ابن أبي شيبة، والحاكم، والبيهقيّ.


الصفحة التالية
Icon