من الأصول، وهو أنِّ اللغة لا يتمُّ فهم القرآنِ، وتنزيل الأحكام منازلها إلاّ بها، وما لا يتمُّ الواجب إلاّ به فهو واجبٌ، غير أنَّ ابن فارسٍ رفع إبهام كلامه فحدّد مراده بما يجب من علم اللُّغةِ، فقال: "ولسنا نقولُ: إنّ الذي يلزمه من ذلك الإحاطة بكلِّ ما قالته العربُ؛ لأنّ ذلك غير مقدورٍ عليه، ولا يكون إلاّ لنبيّ، كما قلناه أوّلاً، بل الواجِبُ علم أصولِ اللُّغةِ والسُّنن التي بأكثرها نزل القرآن، وجاءت السُّنَّة، فأمّا أن يكلَّف القارئ أو الفقيه أو المحدّث معرفة أوصاف الإبل، وأسماء السباع، ونعوت الأسلحة، وما قالته العربُ في الفلواتِ والفيافي، وما جاء عنهم من شواذّ الأبنية، وغرائب التصريف فلا" (١).
وقد أكّد ابن فارسٍ قولَه هذا، وربط إتقان العربيّة ومعرفة علومها وسنن العرب في كلامها بالفقه، والفتيا، والقرآن، فقال: "فلذلك قلنا: إنّ علم اللغة كالواجب على أهل العلم؛ لئلاَّ يحيدوا في تأليفهم أو فتياهم عن سنن الاستواء.
وكذلك الحاجة إلى علم العربيّة، فإنّ الإعراب هو الفارقُ بين المعاني، ألا ترى أنَّ القائل إذا قال: ما أَحْسَن زيد، لم يُفْرَقْ بين التعجُّب، والاستفهام، والذَّمِّ، إلاّ بالإعراب، وكذلك إذا قال: (ضربَ أخوك أخانا) و (وجهُكَ وَجْهُ حُرٍّ) و (وَجْهُكَ وَجْهٌ حُرٌّ). وما أشبه ذلك من الكلام المشتبه وقد روي عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلّم أنّه قال: "أعربوا القرآن " (٢).
وقد عاب ابن فارسٍ المقصّرين في علم العربية، وهم يطلبون العلوم الشرعيّة، وقارن بين أهل عصره المتساهلين في اللحن، وبين سابقيهم
(٢) السابق ص ٥٥.