المجتهدين في إقامة ألسنتهم على طرائق العرب في الكلام فقال: "وقد كان النّاسُ قديماً يجتنبون اللّحن فيما يكتبونه أو يقرؤونه اجتنابَهُم بعضَ الذُّنوب، فأمّا الآنَ فقد تجوَّزوا حتَّى إنّ المحدِّث يُحدِّث فيلحن، والفقيه يؤلِّف فيلحن، فإذا نُبِّها قالا: ما ندري ما الإعراب؟ وإنّما نحن محدِّثون وفقهاءُ، فهما يُسَرَّان بما يُساءُ به اللَّبيبُ.
ولقد كلّمْتُ بعض من يذهب بنفسه ويراها من فقه الشافعيّ بالرتبة العليا في القياس، فقلت له: ما حقيقة القياس ومعناه؟ ومن أيِّ شيءٍ
هو؟ فقال: ليس عليّ هذا، وإنّما عليَّ إقامة الدّليل على صِحَّتِه.
فقُلِ الآن في رَجُلٍ يروم إقامةَ الدليل على صِحَّةِ شيءٍ لا يعرِفُ معناه، ولا يَدْري ما هو! ونعوذ بالله من سوء الاختيار! " (١).
وتعظيم علوم العربية من أجل اتصالها بالقرآن وعلوم الشرع مستفيض منتشر، ذائع مشتهر، تجده في كتبٍ متباينة المنزع، مختلفة المشرب، وفي أقوالٍ لعلماء في علوم مختلفة، من تفسيرٍ وحديث، وفقهٍ وأصول، وأدب ولغة، ونحو وبلاغة، كلهم يجمعون على إعلاء شأن العربية، وأنّها ضرورة لمن يتصل بالقرآن وعلومه بسببٍ، ومن ذلك مقولة ياقوتٍ في مقدمة "معجم الأدباء": (هذه أخبار قومٍ عنهم أُخِذ علمُ القرآن المجيد، والحديث المفيد، وبصناعتهم تنالُ الإمارة، وببضاعتهم يستقيم أمر السلطان والوزارة، وبعلمهم يتمُّ الإسلام، وباستنباطهمُ يُعْرَفُ الحلال من الحرام، ألا ترى أنّ القارئ إذا قرأ: ﴿أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ﴾ [التوبة: ٣] بالرفع فقد سلك طريقاً من