المنشورة، أو التقارير المحفوظة، ولا يَسْمو العمل ليؤرِّخ لعلمٍ من العلوم، ويستوعب الحديثَ عن نشأته، وتاريخه، ومصنفاته، وأصوله وفروعه. كما أنه ليس من هَمِّه أن يستغرق الحديث في فكرةٍ ما، استغراقاً لا يدع لغيره مقالاً، أو يُدّعى فيه الإحاطة والشمول.
بل هو محاولة لبيان تلازم علوم القرآن وعلوم العربيّة، وتآخيهما؛ حتّى إنّه لَيَعْسُرُ فَصْلُ أحدِهما عن الآخر، في النشأة والتاريخ، والتكوين والتأليف، والدوافع والمقاصد، حتّى صار بينهما تزاوج مكين، وتمازج وثيق متين، بحيث لا يستغني طالب علمٍ عن العلم الآخر، ولا يُؤْتي شقٌّ ثمرته - على الوجه المرضيِّ - بدون الشِّقِّ الآخر؛ لافتقار كُلٍّ إلى شِقِّه، وتعذُّر استغنائه عنه. كما توحي بذلك نشأتهما وتاريخهما، وتأكيد أهل العلم ذلك، من خلال كلماتهم، ومؤلفاتهم، وتجاربهم العملية، في الحياة العلمية.
لم يمرّ بالعربيّة حدثُّ أعظم من الإسلام، ونزول القرآن على محمّد صلى الله عليه وسلم، فقد صيَّر هذا الحدث العربيَّةَ لغة مرغوباً فيها، لا لنفوذها السياسيِّ، ولا لسبقها الحضاريّ، وإنّما لمكانتها الدينيّة؛ إذ تسامى أهل البلاد المفتوحة إلى درس العربيّة، والعناية بها، من أجل تحقيق العبادة، ومن أجل تلاوة القرآن، ومن أجل فهم النصوص الشرعية، فكان من جرَّاء ذلك نشأة علوم العربية من نحو وصرف، ولغة ومعجم، وأدب وبلاغة، كُلّ ذلك وُجِدَ ليقومَ عليه درسٌ للعربيّة قويّ.
وصار هذا الأمر في حسِّ المسلم عقيدةً وواجباً شرعيّاً، لا يختلف في ذلك من لغته العربيّة، ومن لغته غير العربيّة، وصارتْ لغة القرآن وما داناها من لغةٍ لغةً وهدفاً يتسامى إليه أهل الإسلام، وتَشْرَئِبُّ إليه أعناقهم، وتتطاول إليه


الصفحة التالية
Icon