في علم العربيّة مدعاةً إلى القصور في علم القراءاتِ، كما قيل في محمد بن منصور (ت ٧٠٠ هـ) : إنّه لم يبرع في العربيّة. وكان متوسِّط المعرفةِ في القراءات " (١). وقال عاصمٌ: "من لم يحسِن من العربيَّةِ إلاّ وجْهاً لم يُحْسِنْ شيئاً" (٢).
واتّفق القُرّاءُ مع أهل العربيّة على ممارسة صنعة التأديب؛ إذ كثيراً ما نجد في تراجمهم "المؤدّب"، "وقام على التأديب". وهي أوصافٌ استأثر بها أهل العربية، رواة الأدب أوّل الأمر.
وبعد، فلعلّ هذه النظرة العجلى في كتابٍ ترجم للنحاة واللغويين، وآخر ترجم القرّاء ما يقفنا على صلةٍ وثيقة بين علوم القرآن وعلوم العربية، وكأنّهما توْأمان، لا ينفكُّ أحدهما عن الآخر. والنوعان من العلوم مختلفان. فأوّلهما غاية، والعلوم الأخرى خدمٌ له، والثاني آلةٌ يتوصَّل بها إلى فهم النوع الأوّل، وخدمته وإتقانه. ولا نغالي إذا قلنا: إنّ علوم العربية على اختلاف أنواعها، إنّما وُجِدَتْ لخدمة القرآن وعلومه، ولعلّ المسلمين لم يُعْنوا بالعربية وآدابها، ولم يخدموها إلاّ لأنّها تمسُّ أو تخدم القرآنَ وعلومه، من قراءةٍ، ورسم، وإعراب، وبلاغة، وإعجاز، ومعنى وتفسير.
تلاقت جهود علماء العربيّة، وجهود خدمة القرآن في ميادين، يُهمّنا منها ما كان لعلماء اللغة العربية جهدٌ بارزٌ فيها، وما كان فيه الدافع القرآني جليّاً واضحاً، ويمكن لنا أن نحصر الموضوع في الأصناف التالية:
- علم الرسم، ومدى إسهام علماء العربيّة في ذلك.
(٢) السابق ص ٧٥.