والفرق بين الرسمين أنّ رسم المصحف إنّما يكون اتّباعاً لمرسوم المصحف الأوّل، في حين يختلف الرسم المعتاد حَسَب اجتهادِ الكُتّابِ وعلماء العربية واختياراتهم، غير أنَّ أصل الرسم في العربيّة هو رسم المصاحف، والرسم الآخر فرعه، وهو - وإن خالفه في أشياء - عائدٌ، وراجع إليه، غير خارج عليه.
إنّه لا يُهمُّنا أن نسرد مؤلّفاتِ رسم المصحف أو مرسوم المصاحف، فهذا له ميدانٌ آخر، وما هو بعسير، وإنّما يُهمِّنا إسهام علماء العربية، وعنايتهم بالرسم، وصلة هذا الإسهام بخدمة القرآن.
ويكفي علماء العربيّة شرفاً أنّهم رفعوا الإيهام عن الخطّ العربيِّ بإعجامه، ونقط، وشكله، وهذه خدمة للقرآن في أعلى الدرجات من الخدمة.
وقد سخّر علماء العربيّة دراستهم الصوت العربيَّ لخدمة القرآن وقراءاته، وابتعدوا عن الدرس العبثيِّ الّذي يعتمد الوصف سبيلاً له، من دون تفريق بين الجيِّد والرديء، والحسن والقبيح، والمستجاد والمرذول، وجعلوا الدّرس الصّوتيَّ يتفيَّأُ ظلال القرآن، يستحسنون ما يستحسنه القُرَّاءُ، ويستهجنون ما يستهجنونه، نجد في كتاب سيبويه مثلاً أنّ أصوات العربيَّة تسعةٌ وعشرونَ حرفاً، "وتكون خمسةً وثلاثين حرفاً، بحروفٍ هُنَّ فُروعٌ، وأصلها من التِّسعة والعشرين، وهي كثيرةٌ يُؤْخَذُ بها، وتستحسن في قراءة القرآن والأشعار... وتكون اثنين وأربعين حرفاً بحروفٍ غير مستحسنةٍ، ولا كثيرة في لغةِ من ترتضى عربيَّته، ولا تستحسن في قراءة القرآن ولا في الشعر" (١).