وقد ربط سيبويه درسَ الحروف بأحكامِ القراءة والتجويد، وأخذ بعض أمثلته من القرآن، ووافق ما عند القرّاء في أفهامهم وأحكامهم، وينصُّ أحياناً ما يقع منه في القرآن (١). ترى ذلك في حديثه عن الإمالة والإدغام، وهذا لا يطعن فيه أن يأخذ سيبويه معظم أمثلته من الحديث الدارج، وكلام الناس المتداول المعتاد.
وقد تابع النحويُّون سيبويه في درس الصوت العربيّ، وجعلوا نموذجه العالي هو صوت القُرّاء المسندين، الذين أخذوا قراءتهم مشافهة، عرضاً أو سماعاً عن المشايخ المجيدين، بأسانيدهم المتصلة.
ويكفي أن يشار إلى اللُّغويين بفخارٍ بعمل لُغويٍّ حاز الشهرة، وشُهِدَ له بالجودة، إنّه كتاب أبي الفتح عثمان بن جني ت ٣٩٢ هـ "سرّ صناعة الإعراب"وقد عرض فيه لدراسة الحروف العربيّة مفردةً حرفاً حرفاً، حتّى أتى عليها كلّها، وقد شاع في الكتاب الاستشهادُ بالآياتِ.
ولطريقة تلقِّى القرآن عن الأشياخ فضلٌ عظيم على الفصحى حرمت منه لغاتٌ أخرى، ممّا جعل نظامها الصوتي عرضةً للاضطراب، والتطوّر غير المنضبط، أمّا الصوتُ العربيُّ فإنّ المتلقّن للقرآن يتلقَّنُه عن شيخه، والشيخ يصغي له، ويصحح ما يقع فيه من خطأ أو انحراف، وإن دقَّ أو جلَّ عن العامة، ويروض لسان تلميذه حتى يتقن محاكاة شيخه، وتصحّ في لسانه الحروف من مخارجها وعلى صفاتها.
ولم يقف الأمر باللُّغويّين عند هذا الحدِّ في درس الصوت العربيِّ من